halimyoussef - Halim Youssef - Page 2

تسع وتسعون خرزة مبعثرة”.. مُضطهدٌ تلاحقه أوجاع المضطهدين

  • جريدة الأيام الفلسطينية – بديعة زيدان
  • 11.04.2023

خرزة مبعثرة”.. مُضطهدٌ تلاحقه أوجاع المضطهدين

2023-04-11
كتبت بديعة زيدان

رواية “99 خرزة مبعثرة” للسوري الكردي حليم يوسف، تحكي قصة اليتيم “آزاد” ابن مدينة “عامودا” الكردية على الحدود التركية السورية، والذي يهاجر إلى ألمانيا هرباً من القمع والإذلال على يد “النظام المستبد” في سورية، ليصبح لاجئًا في مخيم هناك.
“آزاد”، وبحصوله على حق الإقامة، يختار الترجمة مهنته، فهي وفقاً له، وسيلة لبناء الجسور، لكنه لم يكن مُترجماً لأناس سعداء، بل لمئات المهاجرين ممّن عانوا من أمراض نفسية وعقلية، بحيث نَقل، أو عمل على نقل آلامهم ومعاناتهم الشديدة إلى علماء النفس والمسؤولين الألمان، خصوصاً أنه، وفي كل مرّة، تصبح حكاية أيّ منهم مصدر قلق وعبء ثقيل عليه.
يقدّم “آزاد” كما الرواية الصادرة بالعربية عن دار صفصافة للنشر والتوزيع في القاهرة بترجمة من جوان تتر، وبفضل عمله هذا، معاناة المهاجرين، ومغامراتهم المؤلمة التي طحنت نفسيّات الكثير منهم، كما كشفت عن صدمات بلد بات مُنقسماً، ببل نتعرف سرديّاً، عبرها، على قصة حب قديم، بموازاة رصد المشاهد والمواقف الواقعية، ما يجعل من “99 خرزة مبعثرة” رواية بانورامية ترصد معاناة الأقليّات، وخاصة الأكراد في سورية، ومعاناة اللاجئين الجدد ما بعد العام 2011 إلى أوروبا، وألمانيا تحديداً، عبر حكايات ذات طابع إنساني مفعم بالتفاصيل، في سرد مُحكم.
تبدأ الرواية بمشهد قتل حيث يعيش حليم يوسف الروائي في برلين، ذهب ضحيّته رجل غزا الشيب رأسه، فيما القاتل عشريني طوله مئة وتسعين سنتيمتراً، فكان المشهد الذي دفعه للكتابة، وكأنها نهاية شخصية روايته المحورية “آزاد”، ما بعد عقدين أو يزيد قليلاً في المهجر الأوروبي، على يد شاب يبدو عنصرياً ضد المهاجرين، خاصة أن الضحية كما هو “آزاد” كان يلّف كلّ منهما مسبحة على معصمه، الأول انفرطت بعد مقتله على الأرض، والثاني ظلّ متمسكاً بها، هي التي أهدته إيّاها يوماً معشوقة مراهقته في “عامودا”، مع عدم تجاوز حالة التماهي ما بينهما، فهو حال الضحية كردياً شاب شعره في المنفى، بعد أن شابت دواخله في سجون النظام السوري، وعلى وقع تعذيبه الشرس، وكأن الروائي نفسه، والناجي من قتل كان يطال الكثيرين في زنازين ما يفترض أنها بلاده، يخشى أن ينتهي به المطاف كما صاحب الشعر الأبيض الذي هو أو يكاد “آزاد” أيضاً.
واستبدل الروائي هنا “الفصول” و”الأبواب” بـ”الخرزات”، فكانت “الخرزة 1: خرزة بداية الخيط”، و”الخرزة 2: خرزة الترجمة”، و”الخرزة 3: خرزة شمال العالم”، و”الخرزة 5: خرزة روح أمي”، و”الخرزة 9: خرزة السبحة”، و”الخرزة 13: خرزة القراءة”، و”الخرزة 14: خرزة الرئيس الكبير”، و”الخرزة 16: خرزة السجن”، وهكذا وصولاً إلى “الخرزة 99″، متأرجحاً ما بين أكثر من جغرافيا وأزمنة متعددة، وشخوص عابرين دون أن تمرّ حكاياتهم بلا أثر عميق يحفر في دواخلنا، هم من بقوا حبيسي مآسيهم على المستويين الشخصي والعام.
ويبدو أن الرواية سيرة ذاتية، أو فيها شيء من سيرة ذاتية، فـ”آزاد” الذي ولد لعائلة كردية، وحين بات طالباً في المدرسة، أخذ يترجم لوالده الذي لا يتقن إلا الكردية الأخبار الناطقة بالعربية حول “الحرب”، بينما حليم يوسف نفسه، واسمه عبد الحليم يوسف المحمود، ولد في “عامودا” أيضاً العام 1967، لأب كردي فرّ من تركيا إلى سورية، وأم كردية سورية، ومع ذلك لم يكن الأب يجيد التركية ولا الأم تجيد العربية، وظلت الكردية لغة التواصل في العائلة.
ومن هنا وفي ظل عائلة متعددة الثقافات، نراه، وعلى لسان “آزاد”، ينتقد رافضي الاختلاف، ويتساءل باستهجان لا يخلو من استنكار، بل ورعب: “لمَ يكره هؤلاء الاختلاف؟ لمَ يُصرّون على أن يكون جميع الناس مثلهم؟.. بحثتُ عن سرّ هذا المطلب الغريب لدى الإنسان.. لمَ لا يُحبّون الأعراق والألوان واللغات الأخرى، والناس الآخرين.. هذا خيال الذي يقتلع كلّ الألوان المختلفة، ويجعل من العالم ذا لونٍ وحيد، أو أن يتشابه كلّ الناس في كل شيء، وألّا يختلفوا.. كان الأمر يخيفني”.
وما ينطبق على رافضي الاختلاف من “الجنرال” وحاشيته في بلاده التي فرّ منها “آزاد” كما خالقه السرديّ، ينطبق على اليمينيّين العنصريّين في الغرب من رافضي الهجرة والمهاجرين، حدّ قتلهم والتنكيل بهم.
“المترجم، ولا سيما من هو مثلي أمضى سنواتٍ في هذا العمل، مهندسٌ في إخفاء الألم، فهو يُترجم إلى لغة أخرى آلام كلّ شخص، رؤاه، أفكاره، كلامه ومفرداته كلها، يحاول أن يوفق بينها، يضفي عليها مسحة آدمية، يحاول أن يلبسها أجمل الثياب، ومن ثم يُرسلها إلى الطرف الآخر.. ولكن تبقى له أحزانه وآلامه ورؤاه وأفكاره وكلماته، تجتمع كلها فوق بعضها، وتعلو وتغلي، ومن ثم تنفجر دون أن ينتبه أحدٌ إلى الأمر.. إلى الآن كنتُ السبيل إلى أن يفهم الآلاف بعضهم الآخر، لكنّني، وحتى الآن، لم أتمكّن من فهم الغريب الذي بداخلي، لا أعرف ما اللغة التي يتقنها، ربما كنت سأبحث عن مترجمٍ شخصيّ لي (…)”.
ولم يكتفِ الروائي كما الراوي “آزاد” بسرد قصّته كمضطهد وهارب من بلاده، بل قصّ حكايات مشابهة لمن فرّوا من بلادهم إلى برلين، كحكاية “حمزة” الذي هرب من تركيا بعد أن أحرقوا قريته بما فيها بيته لكونها “كردية”، وحكاية أحمد الكركولي الذي فقد عائلته بأكملها تِبعاً لمشروع “تعريب كركوك”، وحكاية “هدى” السوريّة التي أمضت سنوات في سجون نظام بلادها تحت التعذيب، وغيرهم، كالفتى “حسينو”، ابن “عامودا”، وابن معشوقة “آزاد” صاحبة المسبحة التي شكلتها 99 خرزة كما الرواية.

لقاء أدبي -فكري في دوسلدورف بين حليم يوسف ود.علاء الدين آل رشي

14.01.2023

بالتعاون بين مركز علم وسلم الدوحة وبين المركز التعليمي لحقوق الإنسان يتم تنظيم الصالون الفكري الأدبي قلمي فكرتي في مدينة دوسلدروف منتدى دوسلدروف..

يرافق هذا الحدث حفل توقيع الإصدارات وضيافة للحضور

تقديراً لاعترافها بالإدارة الذاتية.. حليم يوسف يهدي جناح كتالونيا في معرض فرانكفورت الدولي نتاجين

أهدى الأديب الكردي حليم يوسف اثنين من نتاجاته الأدبية باللغتين الكردية والإنكليزية إلى جناح كتالونيا في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، عرفاناً وتقديراً منه لاعتراف البرلمان الكتالوني بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

  24 تشرين الأول 2021, الأحد 

وزار الأديب حليم يوسف، أمس السبت، جناح كتالونيا في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب الذي صادف افتتاحه في الـ20 من تشرين الأول الجاري، يوم إجراء التصويت في برلمان كتالونيا وصدور قرار الاعتراف الرسمي بالإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.

وأهدى يوسف الجناح الكتالوني روايتين تحملان توقيعه وكلمة شكر باللغة الكتالونية، وهما رواية (الطيران بأجنحة متكسرة) باللغة الكردية ورواية (حين تعطش الأسماك) باللغة الإنكليزية.

وكتب يوسف في حسابه على موقع “تويتر” أن اسماعيل ساهون، القائم على أعمال جناح كتالونيا في المعرض، شكره ووعده بإيصال هديته ورسالته إلى برلمان بلاده.

يشار إلى أن حليم يوسف أديب كردي، من مواليد عامودا عام 1967، حاصل على شهادة الحقوق من جامعة حلب، يكتب باللغتين العربية والكردية، وصدرت له العديد من النتاجات الأدبية بين قصص قصيرة وروايات، له مقالات أدبية في العديد من المواقع والجرائد الكردية، نشرت عدد من أعماله في سوريا، ومنها: موتى لا ينامون، والرجل الحامل، ونساء الطوابق العليا، كما صدرت له عدة روايات في اسطنبول ومنها (مم بلا زين – الخوف الأدرد – عندما تعطش الأسماك، اوسلندر بك).

ترجمت أغلب نتاجاته إلى العربية والكردية والتركية والفارسية والألمانية والانكليزية، وله باع طويل مع الصحافة، حيث قدم حلقات ثقافية على مدى 11 عاماً في فضائية روج تي في، ويرأس تحرير مجلة الحائط الأدبية. من قصصه التي تحولت إلى مسرحيات: جمهورية المجانين، وإعدام أنف، والحذاء والرأس.

(س ر)

ANHA

https://hawarnews.com/ar/haber/tqdyraan-laatrafha-balidarh-althatyh-hlym-ywsf-yhdy-jnah-ktalwnya-fy-mardh-frankfwrt-aldwly-ntajyn-h57330.html

الروائي السوري حليم يوسف: وظيفة الأدب رصد التشوهات التي يعيشها المجتمع

20.10.2021

القدس العربي

حاوره: مصطفى الخليل

يفكك الروائي السوري حليم يوسف حالة العطب الاجتماعي، طويل الأمد، معتمدا على عناصر الإدهاش والصدمة، فيبرز صراعا مركبا يبدو في ظاهره عبثيا، كونه يندرج في قالب الملهاة السوداء، أما في العمق، فتتجسد المأساة التاريخية لعلاقة الإنسان مع ذاته ومحيطه الذي ينتمي له من جهة، ومع القوى القمعية من جهة أخرى.
يكتب يوسف باللغتين العربية والكردية، وهو من مواليد مدينة عامودا عام 1967 وتعد أعماله الأكثر قراءة وتداولا في الشارع الكردي، وتعتبر «سوبارتو» الصادرة عام 1999 الأكثر جدلية من بين أعماله، كونها حطمت التابوهات السياسية والاجتماعية.
في هذا الحوار يتحدث حليم يوسف عن الوظيفة الحقيقية للأدب، وعن أسباب حضور الجنس في غالبية أعماله، وعن حضور الثقافة الكردية، رغم كل المحاولات التي تسعى لطمسها..

أنت متهم بتشويه مجتمع عامودا في روايتك «سوبارتو» ما رأيك؟
□ عملية رصد التشوهات في مجتمع ما من قبل كاتب ما في رواية أو في مجموعة قصصية، لا يعني أن هذا الكاتب يعمد إلى تشويه المجتمع، بقدر ما يهدف إلى تسليط الضوء على هذه التشوهات والبحث عن طرق ووسائل ناجعة لمعالجتها، ومن ثم تمهيد الطريق أمام المجتمع للتخلص منها. وهذه إحدى وظائف الأدب الأساسية. سأحاول هنا التطرق إلى ثلاث فئات تقف وراء توجيه مثل هذه الاتهامات لي، أو إلى غيري من الكتاب الذين يتناولون مواضيع إشكالية، من خلال كسر التابوهات الاجتماعية والسياسية والدينية. هناك فئة تعمد إلى التفاخر الكاذب بمجتمع يرتع في الانحطاط الأخلاقي والنفاق، لمجرد انتمائهم إليه من باب حرصهم على «عدم نشر غسيلنا الوسخ على الملأ» ومن يفعل ذلك يتعرض إلى الرجم من قبلها. وهناك فئة أخرى هي جزء من هذا التشويه، ومن المشاركين في تكريسه، عندما يأتي كاتب ويكتب عنهم، أو عن ممارساتهم يجن جنونهم ويهاجمون هذا الكاتب، ويعتبرونه مارقا. هنا يكون هذا الأدب كالمرآة التي تعكس حقيقة وجوههم المشوهة، وهي حقيقة يفعلون كل شيء لإخفائها في مجتمع يصفق للمنافق ولمتعدد الوجوه، وينبذ الصادق مع نفسه ومع الآخرين. وأخيرا هناك فئة بسيطة تخلط بين الأدب بمعناه الأخلاقي والأدب الذي نتحدث عنه بمعناه الفني والتنويري. ويعتقدون أن وظيفة الأدب هي إجراء العمليات التجميلية لمجتمع هو مشوه أصلا، ولا يد للكاتب في هذه التشوهات التي تقف وراءها عوامل سياسية وتاريخية وتربوية. فوظيفة الأدب بين ما هو جمالي، فني، وما هو تنويري، كاشف. وبذلك يمكن للأدب أن يجعل العالم أقل بشاعة وأكثر قدرة على التحمل.

ولماذا الأديب دوماً عرضة للاتهام؟ مقابل غض المجتمعات الطرف عن هفوات رجال الدين والسياسة؟
□ الكاتب أو الأديب في مجتمعاتنا مكشوف الظهر، وحيد، محبط، منكسر، مهزوم، ما من قراء له، ليشكلوا قاعدة شعبية واسعة تخلصه من عزلته، وما من مؤسسة تحميه لدى تعرضه للأذى، وما من سند يلجأ إليه عندما تشتد المحن وتضيق به الحال. إنه مسلح بعزلته وبإرادته وبشغفه بالكتابة، وبسبر أغوار الحقيقة، كما يراها هو، لا كما يملى عليه من قبل المؤسسات السياسية والدينية، لذلك ترى القلة من الكتاب تستمر، في حين تجرف مصاعب الحياة الغالبية العظمى، منهم ويديرون ظهورهم للكتابة والقراءة، وكل ما له علاقة بالأدب والمعرفة، التي لا تخلف وراءها سوى الفقر والعوز. إذا كان الوضع كذلك بالنسبة للكتاب، فإن الأمر مختلف تماما لدى رجال الدين والسياسة، المحاطين بحماية المؤسستين الدينية والسياسية، ومن خلفهما أرضية اجتماعية واقتصادية صلبة تقيهما السقوط في فخ الانعزال، وتحمي ظهرهما من طعنات المهاجمين. رغم أن حماية رجال السياسة تستند إلى المؤسسات والأجهزة السلطوية، إلا أنها تبدو وقتية وهشة، مقارنة مع صلابة الحماية التي يتمتع بها رجال الدين، الذين يتمتعون بحصانة متعددة الأوجه، تصل أحيانا إلى تخوم المقدس.

(هوفو) شخصية جدلية في روايتك «سوبارتو» وهو شخص يمارس الجنس بطريقة مرضية، لماذا تنظر هذه الشخصية لنفسها على أنها بلا قيمة؟
□ (هوفو) إحدى الشخصيات المنسجمة مع نفسها، ومثله مثل الكثير من الشخصيات في «سوبارتو» كان قد اكتسب اسمه من خلال ممارساته وصفاته الشخصية، وغلب لقبه كشخص متهور، أرعن ـ هوف ـ على اسمه الحقيقي. إذ أن الواقع اللامعقول يفرز شخصيات لا معقولة، غير متوازنة، وتتصرف بطريقة لا تخطر على البال، في ما إذا قارنا الأمر مع المنطق السليم. من هنا جاء تصرفه الذي يبدو عجيبا والمتجسد في ممارسة الجنس مع قطعة حديدية، وهو تصرف يأتي غريبا في ظاهره، لكنه تصرف «مألوف» إلى حد ما ومنسجم مع عوالم سوبارتو الواقعية؛ لأن الواقع اليومي بحد ذاته بعيد عن المنطق وأقرب إلى الخيال، بمعناه اللامعقول. من هنا فإنني لا أرى هوفو شخصا مدانا، شاذا، جانيا، بقدر ما هو نتيجة طبيعية لظروف غير عادية ولد في ظلها. وتأتي تصرفاته كتحصيل حاصل لتربية عائلية غير سليمة، ولطفولة مسلوبة، ولسياق اجتماعي ونفسي وسياسي مشوه. طفل يولد في بيئة مشوهة، ويقضي طفولته في أجواء عائلة فقيرة، ومسلوبة الحقوق، ويكبر في ظل استبداد سياسي، ويتلقى تربية خاطئة، حيث الخوف متغلغل في مفاصل مجتمع ممزق، محبط، مهمش يعوم في الجهل والخرافة، كيف لمثل هذا الطفل أن يعيش مستقبلا مراهقة طبيعية، وأن يصبح شابا عاقلا ورجلا ناجحا يتصرف وفق المنطق السليم الذي يتفق عليه معظم الناس. هذا مستحيل، لذلك فإن معظم الشخصيات في روايتي هذه هم بقدر ما هم جناة، فهم ضحايا أيضا، خاصة من خلال العلاقة الإشكالية المركبة مع الحيوانات والتعامل الشاذ معها.

في روايتك «خوف بلا أسنان» سلطت الضوء على السلطة الحاكمة، وعلاقتها مع الكرد، وكيفية استثمار النظام الحاكم في سوريا لأساليب القمع محاولا طمس الثقافة الكردية، يا ترى ما هي المناعة الذاتية التي تمتلكها هذه الثقافة؟ ومن أين تستمدها؟
□ الثقافة الكردية ثقافة أصيلة، تمتد جذورها في أعماق هذه الأرض منذ مئات، إن لم نقل آلاف السنين، وهي ليست ثقافة طارئة أو وافدة، لذلك فإنها تستمد مناعتها من هذه الأصالة، التي يمكنها أن تهتز وقد تضعف أو تجرح، إلا أنها عصية على الزوال. ومع ذلك فهي، ونتيجة للغبن التاريخي الذي تعرض له الكرد، تعرضت إلى الكثير من التآكل والانحسار. هناك ملايين من الكرد تحولوا مع الزمن إلى ترك وعرب وفرس في تركيا وايران وسوريا. وانحسرت لغتهم وثقافتهم مع صهرهم وانحلالهم في تلك المجتمعات، التي تدار من قبل دول قومية، في حين بقي الكرد وإلى هذه اللحظة محرومين من إقامة دولتهم القومية الخاصة بهم، كما أنهم حرموا من التمتع بالحقوق القومية في هذه الدول التي تقاسمت وطنهم، عدا عن بقاء ثقافتهم شفوية وقابلة للسرقة والنهب بسهولة. هذا المنع الطويل الأمد للغة الكردية خلّف وراءه أجيالا من الكرد. الذي نجا من الصهر والانحلال لم يستطع النجاة من الأمية الثقافية، حيث لا يتقن كردي واحد من أصل ألف لغته كتابة وقراءة. وفي «خوف بلا أسنان» بحثت عن منابع الخوف الذي يمزق أرواح الملايين من البشر المحاصرين في المربع الجهنمي بأضلاعه التركية السورية العراقية الإيرانية. وتوقفت مطولا عند المحاولة الأولى لهدم جدران ذلك الخوف الأرعن، التي برزت في انتفاضة الثاني عشر من آذار/مارس عام 2004 أو ما سميت بانتفاضة قامشلو، كأول صرخة كردية عالية في تاريخ «الجمهورية العربية السورية» منذ الاستقلال وحتى الآن.

في روايتك «الوحش الذي في داخلي» شخصت مخاوف التماهي ما بين الضحية والجلاد، التي تفضي إلى الإصابة بـ(متلازمة ستوكهولم). إلى أي مدى يتحول المصاب بهذه المتلازمة إلى عبء وخطر على هويته القومية والثقافية؟
□ «الوحش الذي في داخلي» هو الوحش الذي كان طوال الوقت قابعا في داخل الجلاد، فيقلقه ويدفعه إلى ممارسة العنف ضد كل من يفكر أن يقول له يوما «لا». وكذلك هو الوحش الذي كان طوال نصف قرن نائما في داخل الضحية، فاستيقظ أخيرا وهو يمارس العنف المضاد، مقلدا الجلاد بطريقة أكثر شراسة. وهكذا بعد أن التحف العنف الوحشي بصمت طويل، بات عاريا، مقيتا، دمويا، يوزع الخراب والقتل والتشرد والموت على كل الجهات. وهذا ما آلت إليه التراجيديا السورية المستمرة. أذهلني حجم الوحشية التي مارسها أناس عشنا معهم طوال الوقت.

بعضهم أكلنا وشربنا معا، وكانوا يعيشون بين ظهرانينا. في رواية «الوحش الذي في داخلي» حاولت البحث عن عنوان هذه الوحشية التي أذهلتني وأرعبت العالم برمته. حتى بات قطع الرقاب وتدفق الدماء أمام الكاميرات أمرا مألوفا، وبات القتل حالة يومية. فجأة أصبح الجميع متهما وبات الكل عدو الكل وما زال النهش والسعي إلى الإبادة بين الجماعات والفئات المتناحرة مستمرا. كل جماعة تتحدث عن وحشية الجماعة المقابلة، كل يتحدث عن وحشية ولا بشرية الآخر. وإذا تبادلنا المواقع نجد أن الوحشية تتوزع في جميع الجهات، رغم الاختلاف في الجرعة، وهذا ما أرعبني. لست بصدد المساواة بين الجلاد والضحية أو جمعهما في سلة واحدة. لا، على الإطلاق. ما أود قوله بأن الجلاد نجح في هذه المعمعة الدموية في تحويل الضحية إلى شبيه له.

الجنس حاضر في غالبية أعمالك، وفي الغالب يتجاوز وظيفته البيولوجية ويكون مرافقا لكل التحولات التي يمر بها الإنسان، لماذا؟
□ لا أتوانى عن الكتابة عن أي شيء أو أي موضوع يلعب دورا ما في حياتنا بغض النظر عن تقييم الآخرين لهذا الموضوع. والجنس مثله مثل أي موضوع حيوي يلعب دورا مهما في حياتنا، وبالتالي في حياة الشخصيات التي أتحدث عنها في رواياتي، خاصة أنني أكتب عن مجتمع يعاني من كبت جنسي مزمن نتيجة إحاطته بطوق صارم من المحرم الديني والاجتماعي. إن ما لا يدركه الكثيرون هو أن الجنس هو المحرك الخفي لتصرفات الأشخاص الغامضة، التي تبدو في ظاهرها لا منطقية، وهو من الأهمية بمكان إلى درجة أنه يلعب دورا حاسما في تحديد مصائر الكثير من الشخصيات حولنا. واستخدامي لموضوع الجنس في الرواية هو استخدام وظيفي تقتضيه الحاجة الفنية، لاستكمال بناء الشخصية أو الحدث الذي أتناوله. وأنأى بنفسي عن المغالاة في تناول موضوع الجنس أو غيره من المواضيع الداخلة في حدود التابوهات الاجتماعية أو الدينية أو السياسية، خاصة عندما لا تكون هناك ضرورة فنية تقتضي ذلك. لأن الامتحان الأساسي لديّ لدى إنجاز العمل الأدبي هو التناغم الكامل بين الشكل والمضمون وعدم التضحية بأحدهما في سبيل الآخر.

https://www.alquds.co.uk/%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%88%d8%a7%d8%a6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a-%d8%ad%d9%84%d9%8a%d9%85-%d9%8a%d9%88%d8%b3%d9%81-%d9%88%d8%b8%d9%8a%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d8%a8-%d8%b1/

حليم يوسف في هامبورغ -12.09.2021- معرض الكتاب، حديث عن الأدب والترجمة والرواية وحفل توقيع الكتاب

تقيم دار نشر آفا معرضا للكتاب في مدينة هامبورغ الألمانية في الثاني عشر من أيلول الجاري. وسيتخلل المعرض حديث للروائي الكردي حليم يوسف عن دور الترجمة في التعريف بالرواية الكردية عالميا والاشكاليات التي ترافق عملية الترجمة من لغة كانت الى وقت قريب ممنوعة الى لغات عالمية واسعة الانتشار. ويعقب ذلك حفلا لتوقيع الكاتب لكتابه الصادر حديثا عن دار آفا.

العنوان

Valentinskamp 34A

Hamburg 20355

بدء فعاليات المعرض السنوي الخامس للكتاب في قامشلو – اعتبارا من التاسع والعشرين من تموز وحتى الخامس من آب العام الجاري

29.07.2021

بدأت في قامشلو فعاليات المعرض السنوي الخامس للكتاب، وسط استمرار الحصار والمآسي والموت اليومي الذي يكاد يجعل من اقتناء الكتاب ترفا. تحية لكل من يحاول إشعال شمعة لدحر ظلام القرون الوسطى التي أعادونا إليها.تحية لمن يعمل على جعل قراءة الكتب متاحا.

فيديو بالكردية يتضمن كامل ندوة الأدب والمنفى في برلين

السبت 24.07.2021

الكتابة بلغة الآخر – إشكاليات الأدب و الانتماء – المنفى والجذور – الكرد شعب بلا وطن أم بلا دولة؟ ومواضيع ثقافية أخرى

شارك في الندوة:يلدز جاكار – فاطمة سافجي – كاروش طه – حسن الدز – حليم يوسف

أدار الندوة بلال آتا أكتاش

https://www.youtube.com/watch?app=desktop&v=E8FFj4-DHzA…

صحيفة جيان(الحياة) تحاور حليم يوسف – كردستان، السليمانية

تم نشر الحوار باللغة الكردية – السورانية في آذار 2020

أجرى الحوار رنجدر جبار

س١/ الکتابة عمل شخصي جدا عند الإنسان، کل کاتب له مبررات وأسباب لکتابته. هل یمکن أن نعلم ماذا تعني لك الکتابة و لماذا تکتب؟

 الكتابة بالنسبة لي كانت كالقدر. بدأت بالكتابة باكرا، لجأت اليها دون أن أعي الأسباب التي دفعتني الى ذلك.  في صغري كنت، كطفل كردي، محاصرا بأسئلة شديدة الصعوبة وأكبر من عمري بكثير. البحث عن اجابات مقنعة لها قادني الى ظل الكتابة. لا أدري كيف اكتشفت بأن الكتابة عن النيران التي كانت تأكل داخلي تخفف عني الحزن الذي كان يلف حياتنا اليومية. وتحولت الكتابة بالنسبة لي فيما بعد الى شيء أشبه ما يكون بالأوكسجين، لا أستطيع الاستمرار في الحياة دونها. ولا أعتقد أن هناك قوة على الأرض ستحول بيني وبين الكتابة سوى الموت. الكتابة هي أوكسجين حياتي، وأنا أكتب لأستمر في الحياة.

س٢/ هل علی الکاتب أن یکتب لنفسه لا لقرائه؟ وهل علی القارئ أو المتلقي أن یرتقي إلی مستوی کتابة الکاتب؟ وإلی أي حد تفکر أنت بقرائك؟ وهل تکتب لنفسك أم لهم؟

  لا يوجد تعارض بين الجانبين، فأنا أكتب لقرائي بالطبع وفي نفس الوقت أكتب لنفسي أيضا. هناك تماه كبير بيني وبين قرائي، وقد وجد هذا التماهي طريقه الى هذه العلاقة دون أن يتم التخطيط لذلك. واذا كنت أكتب لنفسي فقط، فانني لما نشرت كتاباتي على شكل كتب. ولا أنكر بأن حضور القارىء يقل أثناء لحظات الكتابة، حيث أترك المجال لتدفق أحاسيسي ومشاعري استجابة لصوتي الداخلي الذي أطلق له العنان الى أقصى حد. تلعب منطقة اللاوعي المظلمة دورا كبيرا في نسج تفاصيل النص الأدبي، حيث تستيقظ جثث الذاكرة وتقفز الى منطقة الوعي المنيرة لتسرد ما هو مكمل وحيوي وضروري لاستكمال النسيج الفني للنص. من هنا يتراجع حضور القارىء ودوره في مثل هذه المواقف، ليحضر فيما بعد بقوة بعد انجاز النص. وهنا أستطيع القول بأن التفكير في القارىء ودرء الالتباس الذي قد يحصل في أماكن كثيرة من النص يزداد لدي لدى المراجعة الأولى للنص، حيث أتقمص دور القارىء لنصي الأدبي وأحاول قدر الامكان تعديل الأمور التي قد تحول دون فهم المراد أو تخلق التباسا لدى القراء. وحول سؤالك فيما على القارىء أن يرتقي الى مستوى كتابة الكاتب، فانني سأتحدث هنا عن مستويين في كتابتي. الأول هو المستوى اللغوي حيث أنني أكتب بلغة سهلة، سلسة ويفهمها الجميع. والمستوى الآخر هو المستوى الدلالي المتعلق بمضمون النص، وهنا أراهن على ذكاء القارىء وتميزه ومدى قدرته على استيعاب دلالات النص وفق مفهومه الخاص. لذلك فانني أكتب لقراء من مختلف المستويات. ومن الطبيعي أن يكون النص الأدبي متعدد الدلالات، لذلك لا يضيرني أن أسمع أو أقرأ تفاسير أو شروحات مختلفة من القراء لنفس النص الأدبي. هذا منبع قوة للنص وليس منبع ضعف أو “عدم ارتقاء” للمتلقي. أنا أحترم المتلقي وأتفهم استنتاجاته وطريقة قراءته للنص الأدبي الذي أنتجه حتى وان تعارضت مع تصوراتي.

س٣/ کثیرا ما یقال قراء الروایات اکثر من قراء القصص. ما مدی صحة هذا الر‌أي؟ إن کان صحیحا ما هو سبب ذلك؟ هل السبب متعلق بالمواضیع و المحتویات لکل منهما أم متعلق بالتکنیك و طریقة السرد؟

أعتقد أن صدور الرواية الى الواجهة في السنوات الأخيرة يعود الى الوضع السائد في أسواق الكتاب الغربية- الأوربية، حيث أن أغلب دور النشر الأوربية لا تطبع غير الروايات. في حين ينعدم الاقبال على الشعر تقريبا، كما أن القصة القصيرة كجنس أدبي لا يلقى رواجا كبيرا كما هو الحال لدى الرواية. وفي مجتمعاتنا الاستهلاكية تضيق دائرة قراء كل الأجناس الأدبية الى درجة مرعبة، لذلك فان التي تتحكم بتحديد هذه المسألة هي “المركزية الأوربية” التي لا تحتكم بدورها الى معايير أدبية أو فنية بقدر ما تحتكم الى حيثيات التسويق ومتطلبات البيع والشراء وجني المزيد من الأرباح. ففي أوربا لا يستغرب أحدنا عندما تتبنى كبريات دور النشر الأدبية أعمال روائية هابطة الى أبعد حد وفق المقاييس الأدبية، لكنها تحقق مبيعات هائلة في سوق الكتاب. في حين قد يستنكف أحد الناشرين عن الاستمرار في طباعة وتوزيع روايات أحد الروائيين الجيدين لنفس السبب، أي فيما اذا فشل في عملية التسويق.

س٤/ عبر تأریخ الکتابة وبمختلف مراحلها کان لفن الروایة والقصة وظائف أخری غیر السرد المحض، وسٶالي هو: ما هي الوظیفة الرئیسیة للروایة بعد سرد الأحداث؟ وإلی أي مدی یستطیع الکاتب أن ینقل الجوانب الخفیة للواقع عن طریق شخصیاته؟

   هناك وظائف عدة تؤديها الرواية تتوزع بين ودوه مختلفة، احداها الوظيفة الجمالية التي تخلق المتعة لدى المتلقي والمتجسدة قبل كل شيء في التقنيات المعتمدة والتي تعتمد على ارث كبير من التطورات التكنيكية التي شهدها الفن الروائي عبر التاريخ. والوظيفة الأخرى تمتلك بعدا تنويريا يتجسد في المعاني والمضامين التي تحملها الرواية كفضاء واسع ورحب لاحتواء كم هائل من المشاعر البشرية والأفكار والشخصيات والمواضيع التي تتوزع على مساحات واسعة من التاريخ. أما عن حيثيات نقل وتغطية الجوانب الخفية للواقع فان العمل الدؤوب على الشخصيات والابحار الفلسفي والمعرفي في عوالمها يقودك الى اضاءة المناطق المعتمة والخفية من الذاكرة أو كشف المستور في وعي الشخصيات من خلال التعرف الآني على أعماق تلك الشخصيات والغوص فيما يسمى بمنطقة اللاشعور لبناء عمل أدبي يعتمد في خطوطه العامة على التعدد في الدلالة وفي الايحاء.

س٥/ الناقد الالماني (مارسیل رایخ راسنکي) یقول: “علی الروایة أن تمتعنا متعة القراءة و تمضیة الوقت”. برأیکم هل الأدب وخصوصا الروایات والقصص تقتصر وظیفتهما علی المتعة وتمضية الوقت؟

يجب التفريق بين مصطلحي المتعة وتمضية الوقت. ان ربط الأمر ببعضهما يخلق التباسا يوحي الى أن الأمرين قريبان من بعضهما الى حد التطابق. في حين أنني ألا أتصور أن أحدا ما يقرأ رواية دون أن تكون تلك الرواية ممتعة ومفيدة بنفس الوقت. يتوجب علينا عدم اهمال البعد التنويري، المعرفي الذي تحمله الرواية، حيث أن كل رواية جادة تحمل تجربة حياتية زاخرة لشخوصها. بالاضافة الى التفاصيل المتعلقة بالأمكنة وبالأحداث التاريخية الكبيرة والصغيرة وحيثياتها، كل ذلك يساهم في تعميق معرفة القارىء بأمور قد لا تتاح له معرفتها خارج اطار الفن الروائي. وأنا كقارىء نهم للرواية فقد تعرفت بدوري على نماذج بشرية وعلى شعوب وأقوام وأمكنة كثيرة ومن مختلف أصقاع العالم، ما كنت أتمكن من التعرف عليها في حياتي لولا قراءة الروايات. كما ترى فان الوظائف التي تؤديها الرواية كثيرة ومتشعبة ولا يمكن حصرها في اطار واحد.

س٦/ فی مقال للکاتب (شیرزاد حسن) یقول: “من غیر الممکن للإنسان بعد قراءة کتاب ما ألا یتغیر جزء من وجهات نظره”. ارید أن أسألکم: لماذا الکتاب مهم لحیاة الإنسان؟ ما هو سحر الکتاب للإنسان حیث یغیره الی شخص آخر؟

ان الكتب التي تغير الانسان من الداخل ليست كثيرة، الا أنه لا يمكنني حصرها أيضا في قائمة قصيرة أو طويلة. اذ أن الأمر يتعلق بالذائقة الشخصية لكل انسان وبمستوى استيعابه لما يتضمنه الكتاب المعني. ان نسيج العلاقة القائمة بين الثلاثي “الكاتب – النص الابداعي – القارىء” نسيج بالغ التعقيد، حيث يمكن للقارىء السطحي، على سبيل المثال، أن يختزل نصا ابداعيا متخما بالدلالات الى نص هش يقتصر على بعض المشاهد الجنسية. في حين يمكن لقارىء آخر أن يرفع من القيمة الفنية والابداعية للنص نفسه الى درجة العثور على دلالات خفية واضافية يكشف عن ما لم يكن يخطر على بال كاتب النص، فيزيد النص بقراءته تألقا. وفي رأيي أن اقتناء الكتب ضرورة حيوية لكل شخص سوي، طبيعي، من ناحية أن الطبيعة البشرية تقتضي ذلك. اذ أن الانسان بطبيعته تواق للمعرفة ولفهم نفسه وما يدور حوله، والكتاب هو الوسيلة لتحقيق هذا الأمر. وبالنسبة لي لا يمكن أن أتصور نفسي قادرا على الاستمرار في العيش دون كتب. الكتاب توأم الحياة.

س٧/ الی أي مدی النص الأدبي دون النقد و الدراسة یکون حيا و مٶثرا؟ ما هي أهمیة النقد للنص الأدبي؟

للنقد دور هام في تسليط الضوء على العمل الأدبي وفي اضاءته من الداخل. وهو بذلك يساهم في فتح الأبواب أمام الدخول في فضاءالنص الدلالي وتشريحه وتحليله وبالتالي فهمه. وهذا يخلق الدافع أمام القراء لاقتناء الكتاب والاطلاع على النص المنقود. وتاريخ الأدب يغص بأمثلة كثيرة تشير الى كشف الأسماء الأدبية الهامة من قبل النقاد، وانتشار أعمالها الأدبية بعد هذا الكشف وتحولت هذه الأسماء فيما بعد الى أسماء مكرسة في تاريخ الأدب. في الساحة الأدبية الكردية نفتقد الى هذه الظاهرة ولا توجد حركة نقدية ناشطة تكشف وتنتقد وتسلط الضوء على الأعمال الأدبية الصادرة. ولا يتجاوز الأمر مقال هنا وآخر هناك، وغالبا ما تكون مقالات تعريفية بهذه الأعمال الأدبية وليست نقدا لها.

س٨/ کما یقال الکتابة لها علاقة بماضي الکاتب. الکاتب من خلالها یحاول أن یکتب ماضیه، خصوصا اخفاقاته. کیف کانت بدایات الکتابة عندکم؟ لماذا اردت الکتابة؟ ما علاقة الکتابة بماضیك انت؟ تحدیدا عن ماذا تبحث من خلال الکتابة؟

بدأت الكتابة وأنا صغير. حدث ذلك بشكل عفوي ودون تخطيط. ولدت في بلدة عاموده الحدودية. قدم أبي شابا من فوق الخط(سه رخه ت)-تركيا وتزوج مع أمي من (بن خه ت) – سوريا، وبذلك انقسمت عائلتي الى قسمين يفصل بينهما خط حدودي مزروع بالألغام وبعساكر غامضين يتربصون بنا طوال الوقت على الطرف التركي. أضف الى ذلك أن اللغة الوحيدة التي كان يتحدث بها أبي وأمي الى الممات هي الكردية، في حين أصبت بالصدمة في المدرسة جراء تعلم لغة الشرطة والمعلمين فقط، في حين كنا نتعرض للعقوبة فيما اذا تحدثنا في المدرسة بلغة الأهل. كل ذلك خلق لدي المزيد من الأسئلة الغامضة التي حاصرت طفولتي. مضافا اليها الأسئلة الوجودية الصعبة المتعلقة بمعنى العالم والانسان والموت وما الى ذلك من أسئلة فلسفية تحولت في أعماقي الى نيران لا تهدأ. ابتدأت بالقراءة مبكرا بحثا عن أجوبة مقنعة لكل تلك الأسئلة ولم أفلح. لا أدري كيف اهتديت الى الكتابة يوما وكتبت مشاعري الملتهبة على الورق على شكل كلمات فأحسست براحة لا مثيل لها، وانزاحت عن قلبي هموم كادت تخنقني. جربت ذلك دون أن أعلم أن ما أكتب ينتمي الى الأدب أو غيره. وفيما بعد وجدت نفسي منحازا بالمطلق الى النثر، فبدأت بكتابة القصص القصيرة وانتقلت مع مرور الزمن الى كتابة الرواية دون التخلي النهائي عن القصة القصيرة.

س٩/ یقال ما لا یستطیع المٶرخون قوله و تدوینه، الروائیون یقولونه و یسجلونه عن طریق النصوص الأدبیة. برأیکم هل تستطیع الروایة أن تقوم بعمل مهم في حیاة الإنسان؟ خصوصا فی حیاتنا الحالية؟ ما هي الرسالة التي ترید إیصالها؟

تحتل الرواية المكانة الأولى على صعيد الأجناس الأدبية في العالم، كما أن الفسحة المتاحة للقول  واسعة جدا، لذلك فان الروائي يستطيع أن يدون أكثر اللحظات أهمية في حياة الشعوب، أن يؤرخها و يلعب دورا توثيقيا للأحداث التي يعايشها، بالاضافة الى دوره الأساسي في بناء نص روائي متفرد يحمل بصماته الخاصة. واذا تطرقنا الى الخصوصية الكردية المتجسدة في الغبن اللاحق بالقضية القومية الكردية كأكثر القضايا تراجيدية عبر التاريخ وفي العالم، وما تحمله هذه القضية من مخزون روحي وانساني ووجداني وحسي، فاننا نكون أمام مهمة ترتقي الى مستوى الواجب بالنسبة لكل روائي كردي وهي تجسيد هذه المأساة الانسانية  العصية على الحل ونقل الجوانب المخفية منها الى متن النصوص الروائية، لكي يتعرف العالم على خفايا هذه القضية سواء من خلال اعادة انتاج المعاش روائيا. وعلى الصعيد الشخصي السعي الى التأثير في قضايا الشأن العام وفي التغلغل الى نفوس القراء للمساهمة في تغييرهم من الداخل للوصول الى عالم أفضل. رسالتي هي معرفية، تنويرية تنتصر للحق والخير والجمال

س١٠/ عند قراءة روایاتکم هناك عودة ملحوظة الی صفحات التأریخ، ماذا تریدون أن تقولوا عن طریق السرد او عن طریق التأریخ؟ هل لدیکم أسألة حول التأریخ ام لدیکم شک؟

لا ألجأ الى التاريخ الا للتأكيد على تداخله التام مع الحاضر واعتبار الحاضر امتدادا لما مضى. ولدى الكرد نجد أن التاريخ شبيه بحلقة دائرية، دموية، مفرغة ما ان تمر سنة أو اثنتين حتى يعيد التاريخ نفسه. زأحد أهم الأسباب التي تدفعني الى تناول التاريخ في رواياتي هو أن كل ما يعانيه شخوصي في معاناتهم المزمنة مع المحيط هو نتاج لوضع تاريخي شديد الصعوبة وجد الكردي نفسه فيه دون أن يكون له يد في ذلك. قسمت أراضي بلاده بين حدود دول وممالك متناحرة على كل شيء ومتفقة على اسكات الكرد وحرمانهم من حقوقهم المشروعة.  ان الآثار التي يخلفها تقسيم وطن الكرد بين أربع دول تأكل بعضها وافتقاده الى هيكل دولة  تسبب القسم الأعظم من الكوارث الشخصية والاحباطات التي تواجه الكردي سواء لدى بقائه في البيت أو لدى التنقل بين حدود الدول ، من هنا يأتي اهتمامي بمسألة التاريخ وتناول بعض موضوعاته التي تفيد السياق الروائي حسب المقتضيات الفنية.

س١١/ یقال دائما “الترجمة عبارة عن إعادة کتابة نص جدید من قبل المترجم”. انت من الکتاب الذین ترجمت کثیر من روایاتك الی اللغة الکوردیة، برأیك الی أي مدی استطاع (المترجمون) أن ینقلوا جوهر نصوصکم. ما دور الترجمة حول نقل الأدبیات بین اللغات؟

يمكنني التحدث عن الترجمة على مستويين، أولهما أنني أكتب بالكردية، لغتي الأم، والى جانب الكردية أكتب بالعربية. وقد نقلت بعض أعمالي من الكردية الى العربية وبالعكس وفي كل الأحوال ولأنني صاحب النص في اللغتين فانني أنجز الترجمة وفق فسحة واسعة من الحرية، حيث أنني أتصرف بالنص المترجم وفق مقتضيات اللغة التي أترجم اليها دون تردد. المستوى الثاني هو ترجمة بعض كتبي الى اللغات الأخرى كالانكليزية والألمانية والتركية والفارسية وهي في غالبها تتم بمبادرة من مترجمين يحبون ما أكتب ويبادرون الى ترجمتها وفق اعتبارات تتعلق بأداء خدمة للأدب الكردي بتعريف قراء تلك اللغات به وأغلبهم لا يتلقون حتى حقوق الترجمة أو أي مقابل مادي، رغم ذلك يبذلون كل ما بوسعهم لانجاز الترجمة على أكمل وجه. وهؤلاء المترجمين على قلتهم يستحقون الكثير من  التقدير والاحترام لقاء عملهم المبهر هذا. وفي هذا السياق ما أسعدني حقا هو قيام دار أنديشه وبالتعاون مع مترجمين كرد رائعين الى نقل أعمالي الأدبية من الكردية – الكرمانجية الى الكردية – السورانية مما فتح الباب أمام تحقيق حلمي القديم بأن يتجاوز صوتي حدود اللهجات وكذلك حدود الدول التي تفصل بين الكرد وأن تصبح كتبي في متناول كل الكرد في كل مكان. أنا ممتن لكل من ساهم في تحويل هذا الحلم الى حقيقة، شكرا لهم. بقي أن أقول أن أمام الكتاب الكرد طريق طويلة وشاقة لكي تتم ترجمة أعمالهم الى اللغات العالمية، حيث أن عدم وجود دولة كردية وانعدام المؤسسات الداعمة لحركة الترجمة وافتقاد الكتاب الكردي لأي طرف أو جهة تمول الترجمة من والى اللغات الأخرى، كل ذلك يعيق الأدب الكردي من أن يتم التعريف به وأن يحتل مكانة تليق به الى جانب آداب اللغات الأخرى في العالم.